الخط الجاوي والباتاكي في أثر الإسلام في توبا


لا يمكن فصل تاريخ الإسلام في أرخبيل الملايو عن دور الكتابة، لا سيما الكتابة العربية-الجاوية المعروفة أيضًا باسم الخط العربي الملايوي أو "الجاوي". فقد أصبحت هذه الكتابة وسيلة مهمة في نقل وحفظ العلوم الإسلامية منذ القرون الأولى لدخول الإسلام إلى إندونيسيا. فإلى جانب التقليد الشفهي من خلال الدعوة والوعظ والدروس، أصبحت الكتابة وسيلة لتوثيق الرسائل الدينية للأجيال المعاصرة والقادمة.

وقد تطوّر الخط العربي الجاوي في مختلف مناطق الأرخبيل واستخدمه العلماء لتدوين تعاليم الإسلام بلغات محلية، مثل الجاوية والسوندانية والملايوية. وتتمثل الوظيفة الرئيسية لهذا الخط في تسهيل فهم النصوص العربية الأصلية عن طريق ترجمتها أو شرحها بلغة يفهمها عامة الناس. ومن مميزاته أنه يتكيّف مع الأصوات المحلية رغم استخدامه للحروف العربية.

في جزيرة سومطرة، لا سيما في مدينة باروس التي كانت تعرف سابقًا باسم "فَنسور"، يمكن العثور على آثار الكتابة العربية الملايوية في بدايات انتشار الإسلام. ووفقًا لكتاب تاريخ توانكو بدان، فإن سلطنة باروس تأسست على يد السلطان إبراهيم شاه بن توانكو السلطان محمد شاه من منطقة تروسن، جنوب الساحل الغربي لسومطرة، أرض المينانغكاباو. بعد خلافه مع أسرته، توجه السلطان إبراهيم شمالًا حتى وصل إلى باروس، ثم استمر في رحلته إلى داخل البلاد حتى وصل إلى سيليندونغ وباكارا.

في سيليندونغ، بايعه السكان المحليون ملكًا لتوبا-سيليندونغ، وشرع في تأسيس نظام "الأربعة رؤساء" على غرار ما هو موجود في منطقته الأصلية. ثم استقر في باكارا وتزوج من ابنة أحد زعماء الباتاك، ومن هذا الزواج وُلد ابنه الذي سيُعرف لاحقًا باسم سيسيڠامڠاراج الأول. وقد حمل السلطان إبراهيم معه الثقافة الإسلامية، بما في ذلك استخدام الخط العربي الملايوي، وعلّمها لأبنائه.

وقد وُجد أن الخط العربي الملايوي الذي ربما جاء به السلطان إبراهيم شاه استُخدم إلى جانب الحروف الباتاكية. ويتجلى ذلك بوضوح في الختم الرسمي لـسيسيڠامڠاراج الثاني عشر، الذي يحتوي على كتابات بالحرف العربي الملايوي إلى جانب الحرف الباتاكي. هذا يدل على أن حكومة سيسيڠامڠاراج كانت تدمج بين النظام الثقافي المحلي والإرث الإسلامي معًا.

تُثبت هذه الحقيقة أن منطقة الباتاك لم تكن منغلقة على تأثير الإسلام، بل إن عملية التفاعل الثقافي حدثت بشكل تدريجي وسلس عبر التزاوج والتقارب الاجتماعي والسياسي. وأصبح الخط العربي الملايوي رمزًا لانتشار القيم الإسلامية دون طمس الهوية الثقافية المحلية، بل على العكس، أضاف عمقًا حضاريًا جديدًا.

إن دور الخط العربي الملايوي لم يقتصر على نقل المعرفة الدينية فقط، بل شمل أيضًا التنظيم الإداري والحكومي. وقد أظهر استخدامه إلى جانب الخط الباتاكي في الأختام الرسمية مدى تطور أدوات الاتصال والحكم لدى الممالك المحلية. كما يظهر مدى انفتاحها على الاستفادة من الإرث الثقافي والديني الذي جاء مع الإسلام.

في هذا السياق، لا يُعد الخط العربي الملايوي مجرد وسيلة كتابية، بل هو حلقة وصل حضارية بين الثقافة الإسلامية والثقافة المحلية. وتُعد وثيقة ختم سيسيڠامڠاراج مثالًا واضحًا على أن الإسلام لم يكن عنصرًا دخيلًا، بل كان جزءًا من نسيج الحياة اليومية لمجتمع الباتاك في تلك الفترة.

من المؤسف أن هذا التراث الكتابي لم ينل بعد ما يستحقه من البحث والدراسة. فخلف هذه الحروف القديمة توجد روايات عظيمة عن الإسلام، والتفاعل الثقافي، والحكمة المحلية. ويُعد الحفاظ على هذا التراث، من خلال رقمنة المخطوطات القديمة، وتضمينه في المناهج الدراسية، وتشجيع المجتمع على إعادة اكتشافه، خطوة مهمة نحو إحياء هويتنا الثقافية.

من خلال هذا النهج، يمكن أن نستعيد مجد الخط العربي الملايوي ونرسخه كجزء أصيل من تاريخ الأمة. فهو لا يمثل مجرد أحرف، بل هو شاهد على النضال، والروحانية، والحنكة الدعوية لقادة الماضي. وقصة السلطان إبراهيم شاه وأبنائه هي خير دليل على إمكانية تآلف الإسلام مع الثقافة المحلية في توليفة حضارية فريدة.

إن إحياء الخط العربي الملايوي في أوساط المجتمعات المحلية في تابانولي وأرجاء الأرخبيل عمومًا، سيعزز فهمنا لهويتنا الوطنية والثقافية. ففي خضم موجات الحداثة المتسارعة، تبقى هذه الحروف القديمة شاهدًا صامتًا على لقاء القيم والثقافات الذي شكّل ملامح الإسلام الإندونيسي المتسامح، المنفتح، والعميق الجذور.


أختر نظام التعليقات الذي تحبه

ليست هناك تعليقات